إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

بعد الإيزيديين...الآشوريون في سورية ضحايا المغول «الجدد»




بعدما هجّر «داعش» الايزيديين في العراق، ها هو اليوم يهاجم قرى الآشوريين في سورية ويجتاح نحو 30 بلدة في مناطق سورية الشرقية - الغربية، ويهجّرهم ويحتجز عائلات بأكملها حارقاً الكنائس والبيوت وقاتِلاً مَن يريد، وسط حصار كبير جعل المعلومات تصل بـ «القطارة».

اكثر من 2000 عائلة هُجرت الى الحسكة والقامشلي وبعضها وصل الى لبنان بحال مزرية...خرجوا بثيابهم ومن دون مال، تركوا ذكرياتهم على الجدران، هناك عاشوا مع الاكراد والعرب في منطقة الجزيرة يزرعون الأرض ويتشاركون الحياة السياسية والثقافية ويتفاعلون مع مجتمعهم...هؤلاء الذين صمدوا ولم يتركوا ارضهم رغم المحن، ها هم اليوم يتعرضون لأبشع حملة ارهابية ويتحوّلون الى لاجئين داخل وطنهم او خارجه.

وفي ظل غياب إحصائيات رسمية، تشير المعلومات الى أن تعداد الآشوريين يراوح بين 250 إلى 350 ألف نسمة في سورية، يتوزعون بين مناطق الجزيرة السورية وحلب وحمص ودمشق. وهم يتحدثون بلغتهم القومية (السريانية)، ويرى ساستهم أن سورية الديموقراطية هي تلك التي «يعترف دستورها بالآشوريين (سريان - كلدان) كشعب أصيل، وتضمن كافة حقوقه ضمن إطار وحدة البلاد، وان نيل حقوق الآشوريين لا يمكن أن يتم بمعزل عن حلّ وطني ديموقراطي شامل يحظى بقبول كافة شركائه».

ويعتقد الآشوريون بانحدارهم من عدة حضارات قديمة في الشرق الأوسط أهمها الآشورية والآرامية. كما يُعتبرون من أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية وذلك ابتداءً من القرن الأول الميلادي، فساهموا في تطور هذه الديانة لاهوتياً ونشرها في مناطق آسيا الوسطى والهند والصين. وعملت الانقسامات الكنسية التي حلت بهم على انفصالهم إلى شرقيين (آشوريون وكلدان) وغربيين (سريان)، كما حدثت اختلافات لغوية بين السريانية الخاصة بالمشاركة وتلك الغربية.

وساهم الآشوريون في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية في بلاد المشرق ولا سيما في عهد الدولتين الأموية والعباسية. غير أن المجازر التي حلت بهم ابتداء بتيمورلنك في القرن الرابع عشر مروراً ببدر خان بداية القرن التاسع عشر، أدت إلى تناقص أعدادهم. كما تقلّص عددهم بأكثر من النصف بسبب المذابح الآشورية عشية الحرب العالمية الأولى. وشهد النصف الثاني من القرن العشرين هجرة العديد منهم إلى دول أوروبا وأميركا، فيما أدت حرب الخليج الثالثة والانفلات الأمني الذي تبعها إلى تقلص أعدادهم بشكل كبير في العراق بعد نزوح مئات الآلاف منهم إلى دول الجوار ولا سيما سورية.

ويقول مدير المرصد الآشوري لحقوق الانسان جميل دياربكرلي لــ «الراي»: «نحن الآشوريون مجموعة قومية اثنية مغايرة للعرب والأكراد، غالبيتهم يعتنقون الديانة المسيحية، وموزّعون على 3 طوائف: السريان والكلدان وكنيسة المشرق. ووجود الآشوريين في سورية تاريخي قِدَم سورية، فاسمها أُخذ منهم. اما في التاريخ الحديث فهم يتواجدون في الجزيرة السورية التي هي معقلهم الاساسي، وقد ساهموا في بدايات القرن الماضي في النهضة الحضارية السورية التي حصلت في تلك المنطقة، وبالطبع تعرضوا لاضطهاد من الانظمة التي حكمت سورية واضطروا على اثر ذلك الى الهجرة ولا سيما بعد الوحدة بين سورية ومصر. وامتد هذا الوضع الى يومنا هذا، حيث كانت الهجرة تزداد وهي كبرت في الاحداث السورية الاخيرة أثناء الثورة، فالمهاجرون الآشوريون انتشروا في اوروبا واميركا».

ويضيف: «حتى الآن ليس لدينا احصاء دقيق حول أعداد الآشوريين، لكنهم يشكلون في الجزيرة نحو 15 في المئة من سكان المنطقة. والمسيحيون في سورية بشكل عام يشكلون ما نسبته 8 في المئة بينهم 40 او 50 في المئة من الآشوريين. واجمالاً مع الكلدان والسريان، فان معقلهم الرئيسي في الجزيرة السورية اي الحسكة والقامشلي وديريك والمالكية وفي قرى الخابور وهم ايضاً منتشرون في حمص وريفها وفي العاصمة دمشق. وصحيح ان للآشوريين خصوصية في الجزيرة لكنهم منتشرون في كل سورية».

وبصراحة يشير دياربكرلي الى ان «علاقة النظام مع الآشوريين كانت مثلها مثل البقية من مكونات الشعب السوري، فالآشوريون نالوا نصيبهم من سياسات النظام وانتُهكت حقوقهم، وكان هناك قصور في تأمين مناطقهم، وجرت تعديات عليهم ولم تتم حماية حقوقهم القومية، فهو (النظام) لا يعترف إلا بالقومية العربية ويسعى لتهويد هويتهم بالاضافة الى اعتماد سياسات أدت الى تهجير الكثيرين في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، من دون إغفال ان العديد من الآشوريين هم مكتومو القيد مثل الاكراد، فهناك سبعون عائلة آشورية مكتومة القيد وغير مسموح لهم بالتحرك، فلا يستطيعون فتح أندية مثلا وغير مسموح لهم بممارسة حياتهم السياسية وحقوقهم القومية، وغير مسموح لهم بفتح مراكز ثقافية او مدارس آشورية ولكن هناك بعض المدارس المرتبطة بالكنائس، ولكن اي عمل خارج الكنائس كان محظوراً، والآشوريون عانوا مثل بقية الشعب السوري من النظام في ظل انعدام الديموقراطية والحرية».

ويضيف: «الآشوريون منذ بداية الثورة كان شأنهم حال الشعب السوري، فهناك مَن انخرط في صفوف الثورة ورآها السبيل لتحقيق طموحات الآشوريين بالحرية والكرامة وبحل القضية الآشورية من ضمن إطار وطني، فيما قسم من الآشوريين انضم الى صفوف النظام، علماً ان القسم الاكبر كان حيادياً في شكل عام».

وعن الاوضاع الحالية يفيد ديار بكرلي ان عدد المخطوفين من قبل تنظيم داعش من الآشوريين المسيحيين وصل قبل يومين الى 280 من بينهم اطفال ونساء فمن مدينة تل جزيرة لوحدها خطف 93 شخصاً، وقام تنظيم داعش بإحراق المنازل وكنيسة القرية وهناك 165 مختطفاً من تل شاميرام و10 اشخاص من تل هرمز، وعلماً ان هناك 23 شخصاً تم تحريرهم من داعش من بلدة تل كوران الا انهم لم يصلوا الى مدينة الحسكة بعد كما كان متوقعا». ويشرح ان «داعش بدأ منذ ايام مهاجمة القرى الآشورية الواقعة على الشريط الجنوبي لنهر الخابور في محافظة الحسكة وهي منطقة آشورية فيها اكثر من 35 قرية تقع على طرفي هذا النهر. وقد سيطرت عناصر داعش على اكثر من عشر قرى منها تل هرمز، ونتيجة هذا الهجوم حصلت موجة نزوح كبيرة الى المدن السورية الاخرى ولا سيما الحسكة والقامشلي، فالقرى التي تمت مهاجمتها في البداية اقتحمت في شكل اخاف الاهالي كثيراً مثل قرية تل شاميرام،التي لا يزال مصير نحو 40 عائلة منها مجهولا ولا اتصالات معها حتى الآن، وعلى الاغلب هم من الاسرى عند تنظيم الدولة الاسلامية، وفي قرية الجزيرة ايضاً هناك عدد من السكان مفقودون وكذلك في تل هرمز والشامية التي فرغت من سكانها تقريباً، ولم يعد هناك احد من المقاتلين المدافعين عن البلدة في وجه داعش، وقد تم التنكيل باهلها وحصلت جرائم قتل في داخلها ارتكبتها العناصر الداعشية بحق المقاتلين وعرف من هؤلاء اسماء عدد من شهداء المواجهة لكن آخرين لا يزال مصيرهم مجهولا حتى الآن لاسيما وان الاتصالات فقدت معهم، اما في قرية تل هرمز فلا يزال هناك بعض المدنيين، وعناصر داعش تقوم بحرق الكنائس».

ويقول: «لا نعلم تماماً حقيقة ما يحدث على الارض هناك لان داعش سيطر على المنطقة ولكن نحن جمعنا معلوماتنا من النازحين الذين وصلوا الى الحسكة والقامشلي، ومن الصعب تصور ما يمكن ان يرتكبه داعش من جرائم وما يقترفه من انتهاكات لحقوق الانسان السوري فالسيناريو نفسه حصل قبل اشهر قليلة في الموصل وسهل نينوى ضد الآشوريين والكلدانيين في العراق. طبعاً الاشتباكات تتواصل ولاسيما في البلدات الكبرى في حيط الخابور ولم يسيطر داعش عليها لكن الخوف كبير في القرى التي لم يصلها داعش بعد، اذ ان السكان يرحلون من اجل الخلاص».

وعن اسباب استهداف داعش للآشوريين في هذا الوقت، يجيب: «لا اعلم اذا كان لداعش اسباب، لكن داعش سرطان، اي مرض خبيث ينتشر في كل جسد الشرق الاوسط، ويبدو ان سياسة الاقصاء وعدم قبول الآخر تلعب دورا في موضوع تهجير الآشوريين والمسيحيين في شكل عام من المنطقة، واي فكر اقصائي لا يستطيع ان يرى اكثر من انفه ويحاول طمس كل القوميات وكل الثقافات الموجودة في المنطقة وداعش سياسته معروفة تريد ان تصبغ المنطقة بلون واحد هو الأسود القاتم لون القتل لون الدماء. ولا يستطيع ان يرى ان هناك شعوباً منفتحة ساهمت في بناء هذه المنطقة، بالاضافة الى اننا نرى ان استهداف الآشوريين في سورية ليس منفصلا عما جرى للمسيحيين الآشوريين في العراق وفي الموصل وقرى سهل نينوى، واعتقد ان غايات داعش منع التعددية وطمس الحضارات والثقافات».

ويتمنى ديار بكرلي ألا يحصل مع الآشوريين في سورية ما حصل مع الايزيديين في العراق، فما حل بالايزيديين كان رهيبا، لكن ما يواجهه المجتمع الآشوري اليوم، يشير الى ان المخطط نفسه يجري تنفيذه. ففي ساعات قليلة اخليت 35 قرية آشورية في سورية من سكانها وهناك المئات مصيرهم غير معروف قد يكونون سبايا او يقتلون، السيناريوات التي يستخدمها داعش فاقت كل التوقعات وهو يتفنن في عمليات القتل، وما من شيء مستبعد مع داعش، الا ان الأخطر انه مع كل هذه الانتهاكات المرتكبة من داعش لا يتحرك المجتمع الدولي، وما يعطي هذا التنظيم حافزا هو الصمت الرهيب من الدول الكبرى، اليوم الآشوريون يقتلون بدماء باردة والعالم يغط في سبات وقد رأينا كيف تعاطى مع قضية اخواننا الايزيديين في العراق لا شيء سوى كلمات الاسف. اكثر من 200 الف مسيحي خارج منازلهم في العراق ماذا فعل المجتمع الدولي من اجلهم؟ هذا الس

كوت يجعل داعش يستمر في مسلسل جرائمه والتنكيل بضحاياه اكثر فاكثر».

وعن كيفية اثارة قضية الآشوريين والتحركات التي تحصل من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه يقول: «صراحة كل السبل المتاحة لاثارة قضيتنا نقوم بها، بداية نحاول طرق كل ابواب المنظمات الحقوقية العالمية والدولية، لاطلاعهم على ما يحصل اليوم في مناطقنا في الداخل السوري والانتهاكات الانسانية التي تحصل هناك، ونحاول ان نسألهم بصوت الضمير ان يتحركوا. المجتمع العربي والدولي الرسمي والشعبي لم يحرك اي ساكن وكأنه راض عما يحصل بحق مسيحيي المنطقة، نحاول بشتى الوسائل والطرق ان نساعد اخوتنا النازحين وان نوصل الصورة الى الضمير العالمي عله يستيقظ وينظر الى هؤلاء الناس الذين يطردون من منازلهم وكانوا هم في يوم من الايام من بناة حضارة هذه المنطقة وصدروا الى العالم العلوم والثقافات والقانون، اليوم هاهم يتركون في العراء ولا احد يسأل عنهم لا منظمات دولية ولا حقوقية والجميع يتفرج بصمت».

وعن دور الائتلاف الوطني السوري في اثارة هذه القضية لا يتوقع ان «يكون هناك تحرك مؤثر، مشيراً الى ان «التصريحات الخجولة لا تكفي ونحن لم نر شيئاً يشير الى الاهتمام بهذا الموضوع فاذا كانت دول كبرى وانظمة اقليمية ودولية كبرى غير مهتمة ولم نر منها موقفا فما يمكن ان يفعل الائتلاف».

وعن الخطوات التي يمكن ان تتخذ لحماية الآشوريين والحفاظ على امنهم يشدد دياربكرلي على اهمية تحرك طائرات التحالف الدولي لضرب داعش ومنعه من التوسع وليس فقط لدحره لانه دخل الى مناطق آشورية وانما لدحر المشروع الذي يحمله فهو يريد حرق الاخضر واليابس في الشرق كله، ووضع حد لهذه المنظمة الارهابية كل مخابرات العالم تتحمل تبعات ولغز ما يسمى داعش في منطقتنا ويجب ان تمارس الهيئات دورها الفعلي في المحافظة على حقوق الانسان وفقا لاتفاقيات جنيف التي تنص على حماية الاقليات وحقوق الانسان خصوصاً في هذه الازمات التي تمر بها المنطقة. لابد للامم المتحدة ان تأخذ دورها لحماية هؤلاء الناس والحقيقة انه بات علينا طلب حماية دولية للحفاظ على المكون الآشوري في المنطقة، حتى لا ينقرض ولا يتلاشى من ارضه التاريخية وكان الشعب الآشوري لم يكن موجوداً، فالآشوريون يقتلون بصمت والكل يتفرج».

وعن تدخل الاكراد لحماية المناطق الآشورية يقول بكرلي: «مناطقنا متداخلة مع المناطق التي يوجد فيها الاكراد في سورية، ومع العرب والجميع يحاول حماية المنطقة من خطر داعش. الاكراد والآشوريون يدافعون بشتى الامكانات والسبل الممكنة فهم يتصدون لداعش لكن هذا لا يكفي وهذه الارادة لا تكفي و «الدولة الاسلامية» تحتل مدنا كبرى في ظل انظمة ودول لا تستطيع التصدي لها، فما يمكن ان يفعله بضع مئات من المقاتلين، ان الحد من قدرة داعش يتطلب تحركا دوليا حقيقيا، واذا توافرت ارادة دولية فيمكن رد خطر داعش عن مناطق الآشوريين ودحرها».

وعن اوضاع النازحين يجيب: «لقد تجاوز عدد المهجرين الألف عائلة نزحت الى الكنائس في المحطة الاولى، وبعد ان غصت الكنائس باعدادهم بدأوا ينتشرون في المنازل في الحسكة والقامشلي ووضعهم سيئ، لان الاوضاع في الاساس سيئة نتيجة اعمال القصف والحرب والحصار والوضع المعيشي الصعب، الحالة النفسية للنازحين صعبة جداً، الجميع محطم نفسيا تركوا منازلهم بملابسهم وخرجوا من دون ان يعلموا الى اين يتوجهون، الاخبار تأتيهم تباعاً حرق هذه الكنيسة او تدمير ذلك المنزل، او قتل هذا الشاب».

ويؤكد في الختام ان «الآشوريين في سورية اليوم كأشقائهم في العراق يتعرضون لحملة ابادة وان هناك مخططا لإفراغ المنطقة منهم ونحن نطلب حماية هذا المكون والمحافظة على بقائه في أرضه وحماية هذا الشعب دولياً وإقليمياً، ولا أعرف أين ستكون محطة هؤلاء المقبلة المغول الجدد، أي داعش؟».

إرسال تعليق

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *